عن الحروب واضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال في العالم العربي

الثلاثاء 26 كانون الثاني 2021
طفل ينظر من ثقب في جدار منزل مهجور في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين في مدينة غزة. أيلول، 2019. تصوير محمد عبد. أ ف ب.

يمكن القول إن دراسة الآثار النفسية للحروب قد بدأ بالتبلور منذ نهايات الحرب العالمية الأولى، وازدادت هذه الدراسات عددًا وأهميةً خلال السنوات اللاحقة.[1] وقد بات من المسلّم به، بين معظم علماء النفس والمختصين، أنه ورغم كون الحروب وما ينتج عنها تؤثّر على الراشدين والأطفال على حدٍّ سواء، إلّا أن آثارها من هذه الناحية أكثر خطورة على الأطفال،  لعدم قدرة الأطفال على التأقلم والتعامل مع الظروف الاستثنائية، حيث إنهم لم يطوروا بعد القدرات العقلية والنفسية اللازمة لتجاوز الأزمات وآثارها، ممّا يُسبّب تبعات صحية سيئة، بينها تأخر النمو بمختلف أشكاله التطورية من حركة ولغة وقدرات اجتماعية، بالإضافة إلى المشاكل السلوكية والشعورية.[2]

في دراسة أُجريت عام 1992 في لبنان، وجدت الباحثة منى مقصود من جامعة كولومبيا أنه وبالإضافة لما تخلفه الحرب من آثار نفسية، فإن العوامل اللاحقة والتابعة للحرب، مثل الفقر وانعدام الاحتياجات الأساسية، تتسبّب بمزيد من الصدمات النفسية لدى الأطفال وتؤخر نموهم الطبيعي وتطورهم.[3]

يتعرض الملايين من الأطفال والمراهقين حول العالم للحروب وتبعاتها بشكل يوميّ، فبحسب تقديرات الأمم المتحدة، قُتِل خلال السنوات الـ40 الماضية في الحروب أكثر من مليوني طفل، وتعرّض أربعة إلى خمسة ملايين طفل لإصابات جسدية أو إعاقات دائمة، وطرد 12 مليون طفل من منازلهم.

ويعدّ العالمُ العربي واحدًا من أكثر مناطق النزاع اشتعالًا في العالم، حيث شهدت المنطقة أكثر من بؤرة صراع: فمنذ احتلال فلسطين عام 1948، إلى الاجتياح الأمريكي للعراق والاجتياح «الإسرائيلي» للبنان، وقبلها الحرب الأهلية اللبنانية، وما تشهده المنطقة من صراعات في سوريا واليمن وليبيا. فما الذي تنبئ عنه هذه الأوضاع من ناحية الصحة النفسية؟ وما الذي تقوله الإحصاءات في وطننا العربيّ عن الوضع النفسيّ للطفل العربي؟

دراسة الصحة النفسية للأطفال

بدايةً، من مهم الإشارة إلى وجود نقص في الأبحاث والدراسات العلمية الصادرة عن وضع الصحة النفسية في الوطن العربي، إلا أن بعض الدراسات الموجودة حاليًا من أكاديميين في جامعات عربية أو غربية تُقدّم تصوّرًا أوليًّا عن الوضع النفسي للأطفال. نجد كذلك أن الدراسات المتوافرة تتحدث باستمرار عن نقص في المعلومات والدراسات أو انعدامها في دول مثل اليمن وليبيا، لكن تبقى هناك إمكانية لتقدير الوضع النفسي قياسًا على ظروف متشابهة، خصوصًا أن الدراسات العلمية الموثقة لأثر الحروب حول العالم واسعة الانتشار، وكُتب في هذا المجال كمٌّ هائل من الأدبيات التأسيسية. بالإضافة إلى المعلومات الصادرة عن دراسات متوفرة في الوطن العربي من بلدان تعرضت للحروب أو تستقبل لاجئين مثل العراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان.[4]

في فلسطين، هناك 33 طبيبًا نفسيًا مقابل ما يقارب خمسة ملايين فلسطيني، في حين يمتلك واحد منهم فقط شهادة اختصاص في الطب النفسي للأطفال.

في فلسطين على سبيل المثال، يتعرّض الأطفال لشتى أنواع الاعتداء، من اعتقال وتدمير لمنازلهم مع كل ما يحمله المنزل من رمزيات؛ كالأمان والشعور بالاستقرار والذكريات وأجزاء من هوية ساكنيه. في مراجعة لـ21 دراسة فلسطينية شملت 11 ألف طفلٍ، تراوحت نسبة الأطفال الذين شهدوا قتل أحد أقاربهم أو أصدقائهم بين 26% و65% في مختلف الدراسات المتضمنة، و37% من الأطفال شهدوا اعتقال أحد أفراد عائلاتهم، بينما تعرض ما بين 4% و7% من الأطفال لإطلاق النار.

تُولّد هذه الأحداث كلها، ردّات فعل متفاوتة بين الأطفال، لكنها تشترك بطريقة استجابة الجسم لها، من أعراض قلق وتوتر أو اضطراب في النوم، أو أعراض جسدية دون مسبب عضوي، أو الخوف المبالغ فيه من أي حدث، أو اضطراب ما بعد الصدمة النفسية.[5]

تبيّن العديد من الدراسات أن نسبة وجود اضطراب ما بعد الصدمة النفسية بين الأطفال الفلسطينيين تتراوح بين 23% و70% في مختلف الدراسات. وتُعلّل هذه النسبة المرتفعة بأن معظم الدراسات أجريت بينما الحرب ما تزال قائمة، وبأن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد حصول كل أشكال العنف والقتل وتدمير البيوت بشكل مفاجئ في وضح النهار، مما لا يعطي فرصة لفهم ما يحصل أو وقتًا للتعافي مما حصل.

بينما تشير دراسة أجريت عام 2000 في غزة، شملت في بدايتها 981 طفلًا، بينما تناقص الرقم ليصل في نهايتها الى 239 طفلًا، تراوحت أعمارهم بين ست سنوات و11 سنة، إلى انخفاض نسبة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بشكل كبير بعد سنة من بدء إجراء الدراسة، لتخلص، هي ودراسات أخرى، إلى أن أعراض الاضطراب قد تتفاقم خلال سنة قبل أن تبدأ في الانخفاض.[6]

ككل الأطفال الذين تعرضوا للحروب، واجه أطفال العراق بعد الاجتياح الأمريكي إصابات جسدية بالغة، أو فقدان أحد الوالدين أو كليهما، كما واجهوا الفقر وانعدام الحاجات الأساسية، بالإضافة إلى الأزمات النفسية.[7] في إحدى الدراسات الصادرة من العراق، وصلت نسبة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، عند الأطفال موضع الدراسة في بعض المدن العراقية إلى 30%، وفي دراسة أخرى شُخّص 14% من الأطفال الذين تمت دراسة حالتهم بالاضطراب.[8] وفي دراسة أخرى وجد أن نسبة الأطفال الذين تلقوا العلاج تقل عن 11%.[9] أمّا في لبنان فوجدت إحدى الدراسات أن نسبة الصدمة النفسية وأعراضها تصل 43% لدى الأطفال اللبنانيين الذين تمّت دراسة حالتهم.[10]

في سوريا، وخلال السنوات الماضية، شاهد الأطفال حالات الاختطاف والقتل والتعذيب، وفي بعض الحالات الاغتصاب، بحسب ورقة بحثية راجعت أهم الأدبيات التي كتبت في مجال الإصابات النفسية لدى الأطفال في الوطن العربي. ووصلت نسبة الأطفال السوريين الذي عانوا من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، من بين الأطفال موضع الدراسة، 45%. وهي نسبة تعد أعلى بعشر أضعاف من نسبة أطفال آخرين مشاركين في الدراسة من جنسيات أخرى.[11]

وفي دراسة أجريت على الأطفال داخل سوريا في اللاذقية ودمشق عام 2018، وشملت ما يقارب 400 طفل، ظهرت أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عند 35% منهم.[12] في الأردن، وفي دراسة أجرتها الدكتورة رنا الدجاني، كانت نسبة هرمون التوتر (الكورتيزول) أعلى بشكل ملحوظ لدى اللاجئين السوريين من أقرانهم الأردنيين.[13]

رغم أهمية هذه الإحصاءات والنسب، وما تقدمه من إشارات للوضع النفسي للطفل في العالم العربي، ومدى حاجتنا إليها في ظل ما تعانيه منطقتنا من حروب، إلا أن من المهم التطرق لمدى دقة هذه الإحصاءات ومعانيها. فمثلًا، عندما نقول إن 70% من الأطفال يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة فهل يعني ذلك بالضرورة إصابتهم به؟ في الحقيقة يعتمد الجواب على عدة عوامل، لكن يمكن القول إجمالًا إن هذه النسبة لا تتوافق بالضرورة مع أعداد المصابين على أرض الواقع.

ويرجع هذا الاختلاف بين الإحصاء والواقع إلى عدة أسباب أهمها، أولًا، أن العينة الإحصائية تؤثّر على النتيجة البحثية، وكلمّا تضمنت الدراسة عددًا أكبر من الأطفال تمّ اختيارهم بطريقة عشوائية تكون النتائج أكثر دقة. فمثلًا تَعمُّد اختيار أطفال مشخصين مسبقًا أو أطفال يسكنون في أماكن آمنة يؤثر على نتائج الدراسة ومدى دقّتها. ثانيًا، طريقة التشخيص المستخدمة عادةً في الأبحاث تعتمد على أدوات بحثية، لا على أدوات تشخيص سريرية، أو أنها أصلًا أدوات تقيس الأعراض ولا تجزم بالتشخيص، وهذا السبب عادة ما يذكر ضمن محددات الدراسة. وثالثًا، رغم وجود عدد جيد من الإحصاءات لكن ما زالت المنطقة بحاجة لعدد أكبر من الدراسات، ممّا يمكننا من إجراء مراجعة أدبيات تخرج بنتائج أكثر دقة وأقرب للواقع.

اضطراب ما بعد الصدمة النفسية

ربما يكون من المفيد التعريج على مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة النفسية (Post-traumatic stress disorder)، لارتباطه الوثيق بالحرب، ولتكرار الإشارة إليه في الإحصائيات الموردة من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالوطن العربي.

يُعرّف اضطراب ما بعد الصدمة النفسية، حسب أحدث دليل لتشخيص الأمراض النفسية،[14] بأنه اضطراب ناتج عن تعرّض الشخص لحادثة مروّعة كادت أن تودي بحياته أو تسبب له جراح خطيرة، أو تعرّضه لعنف جنسي، أو شهادته على حادثة مشابهة لشخص آخر، أو تعرض قريب أو صديق له لذلك، أو سماع المسؤول عن العلاج لقصة المريض وتأثره بها. الأمر الذي ينتج عنه حدوث أعراض لدى ذلك الشخص.

تنقسم هذه الأعراض لأربع مجموعات، ولكي يصنف الشخص بالإصابة بمتلازمة ما بعد الصدمة فإنه يشترط وجود عرض إلى عرضين من كل مجموعة.

تتعلق المجموعة الأولى بإعادة استذكار الحدث باستمرار، ومنها الذكريات السيئة والكوابيس، وتتناول المجموعة الثانية أعراض الانسحاب والتجنّب، مثل تجنب المكان التي حصلت فيه الحادثة أو أي محفز خارجي لتذكر الحادثة، في حين تتناول المجموعة الثالثة الأعراض المتعلقة بتغييرات المزاج والسلبية في المشاعر والأفكار، وأخيرًا ترتبط أعراض المجموعة الرابعة باليقظة والتحفّز الدائميْن وما ينتج عنه من صعوبات في النوم والتركيز وصعوبات أخرى.

كذلك، ولكي يتم تشخيص شخص ما بالمتلازمة فإنه يتعين استمرار هذه الأعراض لمدة شهر على الأقل، وتسببها بتعطل في حياة المصاب، ولا تكون بسبب أمراض اخرى أو استهلاك بعض الأدوية والمواد الإدمانية. وتختلف شدة الأعراض من شخص لآخر ومن وقت لآخر، لكنها كذلك قد تتفاقم ويصاحبها الاكتئاب والقلق والتفكير بالانتحار.

عادة ما يكون علاج هذا الاضطراب إمّا بالعلاج النفسي كالعلاج الإدراكي السلوكي (Cognitive behavioral therapy)، أو العلاج بالصدمة والتعرّض (Exposure therapy)، أو العلاج بالأدوية، أو الدمج بينهما. ويهدف العلاج إلى تحديد الأعراض المعطّلة، وتعليم المريض بعض التقنيات للتعامل معها، والتفكير بشكل أفضل بنفسه وبصورته الشخصية.

يحيل الحديث عن علاج حالات اضطراب ما بعد الصدمة إلى حاجتنا لتوافر الخدمات النفسية المتخصصة للبالغين والأطفال، حيث يواجه العالم عامّة نقصًا في تلك الخدمات وفي أعداد المختصين نسبة لعدد السكان والمصابين. فما الذي تخبرنا به الإحصاءات عن وضع الطب النفسي وخدماته في العالم العربي خصوصًا في البلدان المتأثرة بالحروب؟

وضع الخدمات النفسية في العالم العربيّ

في عام 2019 نُشرِت دراسة مهمة في المجلّة الأوروبية لطب الأطفال والمراهقين النفسي، تولّتها مجموعة أكاديميين وأطباء في مجال طب الأطفال النفسي، مكونين اتحادًا أكاديميًا بين 16 دولة، بينها 14 دولة عربية، لدراسة وضع خدمات الطب النفسي للأطفال وعدد برامج الاختصاص في الدول المشاركة، وما هو الممكن لزيادة هذه الخدمات وتطويرها. تتيح لنا هذه الدراسة فرصة الاطلاع على معلومات قادمة من دول متأثرة بالحروب مثل الأردن وسوريا والعراق وفلسطين.

في العراق بلغ عدد الأخصائيين النفسيين 250 طبيبًا، مقابل ما يقارب 38 مليون عراقي، في حين لا يوجد أي أخصائي نفسي للأطفال.

بدايةً، من بين 15 دولة، حيث تم استثناء اليمن لعدم توفر المعلومات، يوجد في 14 دولة -من بينها الأردن وسوريا والعراق وفلسطين- برامج تدريب وطنية في الطب النفسي بعد التخرج من كلية الطب، تتراوح مدة التخصص فيها بين ثلاث إلى خمس سنوات، يتضمن التدريب مقدمة تعريفية بطب الأطفال النفسي وفترة تدريب لا تتجاوز ستة أشهر. تشير الدراسة إلى أنه في كل من الأردن وسوريا وفلسطين، ليس ثمة أقسام أكاديمية متخصصة في طب الأطفال النفسي وتابعة لإحدى المؤسسات التدريبية أو الأكاديمية.

ومن بين المعلومات التي أوردتها الدراسة عن واقع خدمات الطب النفسي للأطفال في أربع دول عربية: في العراق بلغ عدد الأخصائيين النفسيين 250 طبيبًا، مقابل ما يقارب 38 مليون عراقي، في حين لا يوجد أي أخصائي نفسي للأطفال، بمعنى طبيب لديه شهادة بورد طبي بالاختصاص الدقيق لطب الأطفال النفسي، أي الاختصاص الفرعي الذي يتدرب عليه الطبيب مدة سنة إلى سنتين بعد إنهاء الاختصاص العام وبعد التخرج من كلية الطب.

أمّا في فلسطين فيوجد 33 طبيبًا نفسيًا مقابل ما يقارب خمسة ملايين فلسطيني، في حين يمتلك واحد منهم فقط شهادة اختصاص في الطب النفسي للأطفال.

وفي الأردن، يوجد 70 طبيبًا نفسيًا لما يقارب 10 ملايين أردني، لا يملك أيٌ منهم شهادة اختصاص في الطب النفسي للأطفال.[15]

في حين بلغ عدد الأطباء النفسيين في سوريا 75 طبيبًا لـ18 مليون سوري، ولا يوجد أي أخصائي نفسي يحمل شهادة البورد في طب الأطفال النفسي.

تبلغ مدة التدريب على الطب النفسي العام في هذه الدول أربع سنوات، إلّا في الأردن فمدتها خمس سنوات، وتشمل هذه السنوات ستة أشهر للتدريب على طب الأطفال النفسي. وفي جميع هذه البلدان تعالج المشاكل والأمراض النفسية للأطفال من قبل الأطباء النفسيين العامّين. ومن الجدير بالذكر أن الأردن وسوريا وفلسطين لا تعتبر طب الأطفال النفسي تخصصًا فرعيًا منفصلًا.

في الدراسة السابقة تم سؤال الأخصائيين المشاركين عن عدد أطباء الأطفال النفسيين الذين تحتاجهم كل دولة، وكانت التقديرات حسب الدراسة كالتالي: في العراق 50 طبيبًا أخصائيًا في طب الأطفال النفسي و150 مهنيًا صحيًا في الخدمات المساندة، في فلسطين 10 أطباء و30 مهنيًا صحيًا في الخدمات الطبية المساندة، وفي الأردن 15 طبيبًا و30 مهنيًا صحيًا في الخدمات المساندة، وأخيرًا في سوريا 100 طبيب و1000 مهنيّ صحيّ في الخدمات الطبية المساندة.

من الإحصاءات السابقة نستطيع أن ندرك حجم النقص الحاصل في الطب النفسي عمومًا، وقلة الخدمات التخصصية في مجال طب الأطفال النفسي في البلدان المشار إليها من العالم العربي، إلى انعدامها. هذه الإحصاءات تخبرنا كذلك عن نقص الخدمات لاضطرابات نمو تطورية مثل التوحد، واضطرابات سلوكية أخرى كفرط الحركة، وهي مشاكل يعاني منها عددٌ من الأطفال في أي بلد دون الحاجة لوجود حروب أو أزمات.

ما الممكن لتحسين وضع طب الأطفال النفسي؟

ثمة خلاف حول المعايير التي يتم على ضوئها اعتبار تخصص ما تخصصًا منفصلًا يتطلب توافر برامج تدريب مستقلة. فمثلًا في المعايير الألمانية، يعتبر تخصص طب الأطفال النفسي من التخصصات التي يمكن دخولها بعد التخرج من الطب العام مباشرة دون الحاجة لدخول برنامج طب نفسي عام، بينما في الولايات المتحدة وبريطانيا لا يعتبر طب الأطفال النفسي سوى تخصص فرعي عن الطب النفسي العام الذي يتوجب البدء به بعد إنهاء برنامج الطب العام. لكن ما يميز الدول التي تعتبره تخصصًا فرعيًا هو أن هناك برامج ومناهج وطنية للتدريب، وأقسام أكاديمية مختصة في طب الأطفال النفسي لتزويد الخدمات وتحسينها وإجراء الأبحاث العلمية.

ربما من المفيد للدول منخفضة ومتوسطة الدخل أن تبحث في جدوى اعتبار الطب النفسي للأطفال برنامجًا تدريبيًا منفصلًا، بحيث يمكن لهذا أن يشجع الأطباء على دخول التخصص، بعيدًا عن وصمة الطب النفسي العام، وستوفّر هذه البرامج الوطنية بعد عدة أعوام عددًا متراكمًا من أطباء الأطفال النفسيين. على سبيل المثال؛ تركيا التي تعتبر دولة متوسطة الدخل، تتبع نظام التدريب المنفصل لطب الأطفال النفسي، ولديها 3000 طبيب نفسي و400 طبيب نفسي مختص للأطفال.

وكذلك، يمكن لتطوير الأقسام الأكاديمية المختصة تزويد البلاد بأخصائيين قادرين على تدريب الأطباء ومتابعتهم في مجال طب الأطفال النفسي، حتى داخل التدريب العام للطب النفسي.

حاجتنا لعدد أكبر من أطباء الأطفال النفسيين لتغطية الأمراض والحالات الأساسية يجب أيضًا ألا تنسينا أحد أساسيات هذه المهنة، وهو عدم إسقاط قوالب المرض على الأطفال، وفهم ردات الفعل الطبيعية التي تحصل نتيجة التعرض لظروف صعبة كالحروب. وهذا المبدأ يقودنا كذلك لتقدير مفهوم المقاومة النفسية والعمل على تعزيزه في المجتمع. والمقاومة النفسية هي قدرة بعض الأشخاص على التأقلم مع أصعب الظروف بحيث لا تتسبب لهم الأحداث الخطيرة بصدمات نفسية.

لا زال العلماء يدرسون هذا المفهوم الذي تصاعد في سبعينيات القرن الماضي، لمحاولة فهم العوامل التي تجعل بعض الأشخاص أكثر وقاية من الإصابة ببعض الأمراض النفسية من غيرهم، وقد وجدت الدراسات[16] المتوفرة حاليًا أن هناك عوامل شخصية وأخرى مجتمعية مرتبطة بالثقافة والجغرافيا، تعزز الوقاية النفسية بعد الحروب، مثل الدعم العائلي والعلاقات الاجتماعية الجيدة، بالإضافة إلى منظومة الاعتقاد والدين أو المنظومة الروحانية للشخص.[17]

هذا المقال هو من نتاج زمالة حبر للباحثات.

  • الهوامش

    [1] Waugh MJ, Robbins I, Davies S, Feigenbaum J. The long-term impact of war experiences and evacuation on people who were children during World War Two. Aging Ment Heal. 2007;11(2):168–74

    [2] Dimitry L. A Systematic Review on the Mental Health of Children and Adolescents in Areas of Armed Conflict in the Middle East. Child Care Health Dev. 2012;38(2):153–61.

    [3] Macksoud MS. Assessing war trauma in children: A case study of lebanese children. J Refug Stud. 1992;5(1):1–15.

    [4] Clausen CE, Bazaid K, Azeem MW, Abdelrahim F, Elgawad AAA, Alamiri B, et al. Child and Adolescent Psychiatry Training and Services in the Middle East Region: A Current Status Assessment. Eur Child Adolesc Psychiatry [Internet]. 2019; Available from: http://link.springer.com/10.1007/s00787-019-01360-2.

    [5] Qouta S, Punamäki RL, El Sarraj E. Prevalence and determinants of PTSD among Palestinian children exposed to military violence. Eur Child Adolesc Psychiatry. 2003;12(6):265–72.

    [6] Thabet AA, Vostanis P. Spotlight on Practice Post Traumatic Stress Disorder Reactions in Children of War : a Longitudinal Study. Child Abuse Negl. 2000;24(2):291–8.

    [7] Al-Jawadi AA, Abdul-Rhman S. Prevalence of childhood and early adolescence mental disorders among children attending primary health care centers in Mosul, Iraq: A cross-sectional study. BMC Public Health. 2007;7:1–8.

    [8] Razokhi AH, Taha IK, Taib NI, Sadik S, Gasseer N Al. Mental health of Iraqi children. Lancet [Internet]. 2006;368(9538):838–9. Available from: http://dx.doi.org/10.1016/S0140-6736(06)69320-3.

    [9] Al-uzri M, Abed R, Abbas M. Rebuilding Mental Health Services in Iraq. Int Psychiatry. 2012;9(3):2010–2.

    [10] Thabet AM, Abed Y, Vostanis P. Comorbidity of PTSD and depression among refugee children during war con£ict. J of Child Psychol Psychiatry. 2004;45(3):533–42>

    [11] Sirin SR, Rogers-Sirin L. The Educational and Mental Health Needs of Syrian Children [Internet]. 2015. Available from: www.migrationpolicy.org/research/educational-and-mental-health-needs-syrian-refugee-children

    [12] Perkins JD, Ajeeb M, Fadel L, Saleh G. Mental health in Syrian children with a focus on post-traumatic stress: a cross-sectional study from Syrian schools. Soc Psychiatry Psychiatr Epidemiol [Internet]. 2018;53(11):1231–9.

    [13] Dajani R, Hadfield K, van Uum S, Greff M, Panter-Brick C. Hair cortisol concentrations in war-affected adolescents: A prospective intervention trial. Psychoneuroendocrinology. 2018;89 (November 2017):138–46.

    [14] American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-V). Am Psychiatr Assoc. 2013; 5th Edition: 953.

    [15] من واقع دراستي في الأردن، هناك عيادتان لأخصائيين تابعتان لمؤسسات تدريبية مختصة في الطب النفسي للأطفال، تقع واحدة في شمال المملكة والأخرى في العاصمة.

    [16] Siriwardhana C, Ali SS, Roberts B, Stewart R. A systematic review of resilience and mental health outcomes of conflict-driven adult forced migrants. Confl Health. 2014;8(1):1–14.

    [17] Sossou M, Craig CD, Ogren H, Sossou M, Craig CD, Schnak M. A Qualitative Study of Resilience Factors of Bosnian Refugee Women Resettled in the Southern United States A Qualitative Study of Resilience Factors of Bosnian Refugee Women Resettled in the Southern United States. J Ethn Cult Divers Soc Work ISSN. 2008;3204.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية